فصل: قال الألوسي:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



وكما تقول: بنو فلان يشبعهم رغيف أي يشبع كل واحد منهم رغيف.
وقوله: {لم يظهروا} إما من قولهم ظهر على الشيء إذا اطّلع عليه أي لا يعرفون ما العورة ولا يميزون بينها وبين غيرها، وإما من ظهر على فلان إذا قوي عليه وظهر على القرن أخذه.
ومنه {فأصبحوا ظاهرين} أي غالبين قادرين عليه، فالمعنى لم يبلغوا أوان القدرة على الوطء.
وقرأ الجمهور {عورات} بسكون الواو وهي لغة أكثر العرب لا يحركون الواو والياء في نحو هذا الجمع.
وروي عن ابن عباس تحريك واو {عورات} بالفتح.
والمشهور في كتب النحو أن تحريك الواو والياء في مثل هذا الجمع هو لغة هذيل بن مدركة.
ونقل ابن خالويه في كتاب شواذ القراءات أن ابن أبي إسحاق والأعمش قرأ {عورات} بالفتح.
قال: وسمعنا ابن مجاهد يقول: هو لحن وإنما جعله لحنًا وخطأ من قبل الرواية وإلاّ فله مذهب في العربية بنو تميم يقولون: روضات وجورات وعورات، وسائر العرب بالإسكان.
وقال الفراء: العرب على تخفيف ذلك إلاّ هذيلًا فتثقل ما كان من هذا النوع من ذوات الياء والواو.
وأنشدني بعضهم:
أبو بيضات رائح متأوب ** رفيق بمسح المنكبين سبوح

{ولا يضربن بأرجلهن ليعلم ما يخفين من زينتهن} كانت المرأة تضرب الأرض برجلها ليتقعقع خلخالها فيعلم أنها ذات خلخال.
وقال ابن عباس: هو قرع الخلخال بالإجراء وتحريك الخلاخل عند الرجال.
وزعم حضرمي أن امرأة اتخذت خلخالًا من فضة واتخذت جزعًا فجعلته في ساقها، فمرت على القوم فضربت برجلها الأرض فوقع الخلخال على الجزع فصوت فنزلت هذه الآية.
وقال الزجاج: وسماع صوت ذي الزينة أشد تحريكًا للشهوة من إبدائها انتهى.
وقال أبو محمد بن حزم ما معناه أنه تعالى نهاهن عن ذلك لأن المرأة إذا مرت على الرجال قد لا يلتفت إليها ولا يشعر بها: وهي تكره أن لا ينظر إليها، فإذا فعلن ذلك نبهن على أنفسهن وذلك بحبهن في تعلق الرجال بهن، وهذا من خفايا الإعلام بحالهن.
وقال مكي: ليس في كتاب الله آية أكثر ضمائر من هذه، جمعت خمسة وعشرين ضميرًا للمؤمنات من مخفوض ومرفوع.
وقال الزمخشري: وإنما نهى عن إظهار صوت الحلّي بعد ما نهى عن إظهار الحلّي علم بذلك أن النهي عن إظهار مواقع الحلّي أبلغ.
{وتوبوا إلى الله جميعًا أيها المؤمنون} لما سبقت أوامر منه تعالى ومناه، وكان الإنسان لا يكاد يقدر على مراعاتها دائمًا وإن ضبط نفسه واجتهد فلابد من تقصير أمر بالتوبة وبترجي الفلاح إذا تابوا.
وعن ابن عباس {توبوا} مما كنتم تفعلونه في الجاهلية لعلكم تسعدون في الدنيا والآخرة.
وقرأ ابن عامر {أيه المؤمنون} ويا أية الساحر يا أيه الثقلان بضم الهاء، ووجهه أنها كانت مفتوحة لوقوعها قبل الألف، فلما سقطت الألف بالتقاء الساكنين اتبعت حركتها حركة ما قبلها وضمها التي للتنبيه بعد أي لغة لبني مالك رهط شقيق ابن سلمة، ووقف بعضهم بسكون الهاء لأنها كتبت في المصحف بلا ألف بعدها ووقف بعضهم بالألف. اهـ.

.قال أبو السعود:

{قُلْ لّلْمُؤْمِنِينَ}.
شروعٌ في بيان أحكام كليَّة شاملة للمؤمنين كافَّة يندرج فيها حكمُ المستأذنين عند دخولِهم البيوت اندراجًا أوليًّا. وتلوينُ الخطاب وتوجيهه إلى رسولِ الله صلى الله عليه وسلم وتفويضُ ما في حيِّزِه من الأوامر والنَّواهي إلى رأيِه عليه الصَّلاة والسَّلام لأنَّها تكاليفُ متعلِّقةٌ بأمورٍ جُزئيةٍ كثيرةِ الوقوعِ حقيقةٌ بأنْ يكون الآمرُ بها والمتصدِّي لتدبيرها حافظًا ومُهيمنًا عليهم. ومفعولُ الأمر أمرٌ آخرُ قد حُذف تعويلًا على دلالة جوابه عليه أي قُل لهم غُضُّوًا {يَغُضُّواْ مِنْ أبصارهم} عمَّا يحرُم ويقتصروا به على ما يحلُّ {وَيَحْفَظُواْ فُرُوجَهُمْ} إلا على أزواجِهم أو ما ملكتْ أيمانُهم. وتقييدُ الغضِّ بمن التبعيضيَّةِ دونَ الحفظ لما في أمر النَّظر من السَّعةِ. وقيل: المرادُ بالحفظِ هاهنا خاصَّة هو السِّترُ.
{ذلك} أي ما ذُكر من الغضِّ والحفظ {أزكى لَهُمْ} أي أطهرُ لهم من دنس الرِّيبة {إِنَّ الله خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ} لا يخفى عليه شيءٌ ممَّا يصدرُ عنهم من الأفاعيلِ التي من جُملتِها إحالةُ النَّظرِ واستعمالُ سائرِ الحواس وتحريك الجوارحِ وما يقصدون بذلك فليكونوا على حذرٍ منه في كلِّ ما يأتُون وما يذرُون.
{وَقُل للمؤمنات يَغْضُضْنَ مِنْ أبصارهن}.
فلا ينظرن إلى ما لا يحلُّ لهنَّ النَّظرُ إليه {وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ} بالتَّسترِ أو التَّصونِ عن الزِّنا. وتقديمُ الغضِّ لأنَّ النَّظرَ بريدُ الزِّنا ورائدُ الفسادِ {وَلاَ يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ} كالحُليِّ وغيرِها ممَّا يُتزين بهِ وفيهِ من المبالغة في النَّهيِ عن إبداءِ مواضعِها ما لا يخفى {إِلاَّ مَا ظَهَرَ مِنْهَا} عند مُزاولةِ الأمورِ التي لابد منها عادةً كالخاتمِ والكُحلِ والخضابِ ونحوها فإنَّ في سترِها حَرَجًا بينًا. وقيلَ: المرادُ بالزِّينةِ مواضعُها على حذفِ المضافِ أو ما يعمُّ المحاسنَ الخَلقيةَ والتَّزينيةَ. والمُستثنى هو الوجهُ والكفَّانِ لأنَّها ليستْ بعورةٍ. {وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ على جُيُوبِهِنَّ} إرشادٌ إلى كيفيَّة إخفاءِ بعضِ مواضع الزِّينة بعد النَّهي عن إبدائِها. وقد كانتِ النِّساءُ على عادةِ الجاهليةِ يسدُلْن خُمرَهنَّ من خلفهنَّ فتبدُو نحورُهنَّ وقلائدهُنَّ من جيوبِهنَّ لوسعِها فأُمرن بإرسالِ خمرهنَّ إلى جيوبهنَّ سترًا لما يبدُو منها وقد ضُمِّن الضَّربُ معنى الإلقاءِ فعُدِّي بعَلَى. وقرئ بكسرِ الجيمِ كما تقدَّم {وَلاَ يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ} كرر النهي لاستثناء بعضِ موادِّ الرُّخصةِ عنه باعتبار النَّاظرِ بعد ما استُثني عنه بعضُ موادِّ الضَّرورةِ باعتبارِ المنظُور {إِلاَّ لِبُعُولَتِهِنَّ} فإنَّهم المقصودون بالزِّينة ولهم أنْ ينظرُوا إلى جميع بدنهنَّ حتَّى الموضعِ المعهودِ {أَوْ آبَآئِهِنَّ أَوْ آبَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ أَبْنَآئِهِنَّ أَوْ أَبْنَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بني إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي أَخَوَاتِهِنَّ} لكثرةِ المخالطةِ الضَّروريَّةِ بينهم وبينهنَّ وقلة توقع الفتنةِ من قبلهم لما في طباعِ الفريقينِ من النَّفرة عن مماسة القرائبِ ولهم أنْ ينظرُوا منهنَّ ما يبدُو عند المهنةِ والخدمةِ. وعدمُ ذكرِ الأعمامِ والأخوالِ لما أنَّ الأحوطَ أنْ يتسترن عنهم حذارًا من أنْ يصفوهنَّ لأبنائهم {أَوْ نِسَائِهِنَّ} المختصَّات بهن بالصُّحبة والخدمةِ من حرائر المؤمناتِ فإنَّ الكوافرَ لا يتحرجنَّ عن وصفهنَّ للرِّجالِ.
{أَوْ مَا مَلَكَتْ أيمانهن} أي من الإماءِ فإنَّ عبدَ المرأةِ بمنزلة الأجنبيِّ منها. وقيل مِن الإماءِ والعَبيدِ لما رُوي أنَّه عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ أتى فاطمة رضي الله عنها بعبدٍ وهبه لها وعليها ثوبٌ إذا قنَّعتْ به رأسَها لم يبلغْ رجليها وإذا غطَّت رجليها لم يبلغْ رأسَها فقال عليه الصَّلاة والسَّلام: «إنَّه ليس عليك بأسٌ إنَّما هو أبوكِ وغلامكِ» {أَوِ التابعين غَيْرِ أُوْلِى الإربة مِنَ الرجال} أي أولي الحاجةِ إلى النِّساء وهم الشُّيوخُ الهِمّ والممسوحون. وفي المجبوبِ والخَصيِّ خلافٌ، وقيل هُم البُله الذين يتتبعون النَّاس لفضل طعامِهم ولا يعرفون شيئًا من أمور النِّساء. وقرئ غيرَ بالنَّصبِ على الحاليَّةِ {أَوِ الطفل الذين لَمْ يَظْهَرُواْ على عورات النساء} لعدم تمييزهم. من الظُّهور بمعنى الاطِّلاع أو لعدم بلوغهم حدَّ الشَّهوةِ، من الظُّهور بمعنى الغَلَبة.
والطِّفلُ جنسٌ وُضع موضعَ الجمعِ اكتفاءً بدلالةِ الوصفِ. {وَلاَ يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ} أي ما يخفينَه من الرؤيةِ {مِن زِينَتِهِنَّ} أي ولا يضربن بأرجلِهنَّ الأرضَ ليتقعقعَ خلخالهُنَّ فيُعلمَ أنهنَّ ذواتُ الخلخالِ فإنَّ ذلك ممَّا يُورث الرِّجالَ ميلًا إليهنَّ ويُوهم أنَّ لهنَّ ميلًا إيهم. وفي النَّهيِ عن إبداء صوتِ الحُلى بعد النَّهي عن إبداءِ عينها من المبالغةِ في الزَّجرِ عن إبداءِ مواضعها ما لا يخفى {وَتُوبُواْ إِلَى الله جَمِيعًا} تلوينٌ للخطابِ وصرفٌ له عن رسولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إلى الكُلِّ بطريق التَّغليبِ لإبراز كمال العنايةِ بما في حيِّزه من أمرِ النوبةِ وأنَّها من معظمات المهمَّاتِ الحقيقيَّةِ بأنْ يكونَ سبحانَهُ وتعالى هو الآمرَ بها لما أنَّه لا يكادُ يخلُو أحدٌ من المكلَّفين عن نوعِ تفريطٍ في إقامة مواجبِ التَّكاليفِ كما ينبغي. وناهيك بقوله عليه السَّلامُ «شيَّبتني سورةُ هودٍ» لما فيها من قولهِ عزَّ وجلَّ: {فاستقم كَمَا أُمِرْتَ} لاسيما إذا كانَ المأمورُ به الكفَّ عن الشَّهواتِ. وقيل توبُوا عمَّا كنتُم تفعلونَه في الجاهليَّةِ فإنَّه وإنْ جُبَّ بالإسلامِ لكن يُجبُّ بالندمِ عليه والعزمِ على تركهِ كلَّما خطرَ ببالهِ. وفي تكرير الخطابِ بقوله تعالى: {أَيُّهَ المؤمنون} تأكيدٌ للإيجاب وإيذانٌ بأنَّ وصفَ الإيمانِ موجبٌ للامتثال حتمًا. وقرئ أيّهُ المؤمنون {لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} تفوزونَ بذلكَ بسعادةِ الدَّارينِ. اهـ.

.قال الألوسي:

{قُلْ لّلْمُؤْمِنِينَ}.
شروع في بيان أحكام كلية شاملة للمؤمنين كافة يندرج فيها حكم المستأذنين عند دخولهم البيوت اندارجًا أوليًا.
وتلوين الخطاب وتوجيهه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وتفويض ما في حيزه من الأوامر والنواهي إليه عليه الصلاة والسلام قيل لأنها تكاليف متعلقة يأمور جزئية كثيرة الوقوع حرية بأن يكون الآمر بها والمتصدى لتدبيرها حافظًا ومهيمنًا عليهم.
وقيل: إن ذلك لما أن بعض المؤمنين جاء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم كالمستدعي لأن يقول له ما في حيز القول.
فقد أخرج ابن مردويه عن علي كرم الله تعالى وجهه قال: مر رجل على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم في طريق من طرقات المدينة فنظر إلى امرأة ونظرت إليه فوسوس لهما الشيطان أنه لم ينظر أحدهما إلى الآخر إلا إعجابًا به فبينما الرجل يمشي إلى جنب حائط وهو ينظر إليها إذ استقبله الحائط فشق أنفه فقال: والله لا أغسل الدم حتى آتي رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبره أمري فأتاه فقص عليه قصته فقال النبي صلى الله عليه وسلم: هذا عقوبة ذنبك وأنزل الله تعالى: {قُلْ لّلْمُؤْمِنِينَ} {يَغُضُّواْ مِنْ أبصارهم} ومفعول القول مقدر، و{يَغُضُّواْ} جواب لقل لتضمنه معنى حرف الشرط كأنه قيل: إن تقل لهم غصوا يغضوا، وفيه إيذان بأنهم لفرط مطاوعتهم لا ينفك فعلهم عن أمره عليه الصلاة والسلام وأنه كالسبب الموجب له وهذا هو المشهور.
وجوز أن يكون {يَغُضُّواْ} جوابًا للأمر المقدر المقول للقول.
وتعقب بأن الجواب لابد أن يخالف المجاب إما في الفعل والفاعل نحو ائتني أكرمك أو في الفعل نحو أسلم تدخل الجنة أو في الفاعل نحو قم أقم ولا يجوز أن يتوافقا فيه، وأيضًا الأمر للمواجهة و{يَغُضُّواْ} غائب ومثله لا يجوز، وقيل عليه: إنه لم لا يجوز أن يكون من قبيل «من كانت هجرته» الحديث ولا نسلم أنه لا يجاب الأمر بلفظ الغيبة إذا كان محكيًا بالقول لجواز التلوين حنيئذ وفيه بحث، ومن أنصف لا يرى هذا الوجه وجيهًا وهو على ما فيه خلاف الظاهر جدًا، وجوز الطبرسي وغيره أن يكون {يَغُضُّواْ} مجزومًا بلام أمر مقدرة لدلالة {قُلْ} أي قل لهم ليغضوا والجملة نصب على المفعولية للقول، وغض البصر إطباق الجفن على الجفن، و{مِنْ} قيل صلة وسيبويه يأبى ذلك في مثل هذا الكلام والجواز مذهب الأخفش، وقال ابن عطية: يصح أن تكون من لبيان الجنس ويصح أن تكون لابتداء الغاية.
وتعقبه في البحر بأنه لم يتقدم مبهم لتكون من لبيان الجنس على أن الصحيح أنها ليس من موضوعاتها أن تكون لبيان الجنس انتهى، والجل على أنها هنا تبعيضية، والمراد غض البصر عما يحرم والاقتصار به على ما يحل، وجعل الغض عن بعض المبصر غض بعض البصر وفيه كما في الكشف كناية حسنة، ثم أن غض البصر عما يحرم النظر إليه واجب ونظرة الفجأة التي لا تعمد فيها معفو عنها، فقد أخرج أبو داود والترمذي وغيرهما عن بريدة رضي الله تعالى عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا تتبع النظرة النظرة فإن لك الأولى وليست لك الآخرة» وبدأ سبحانه بالإرشاد إلى غض البصر لما في ذلك من سد باب الشر فإن النظر باب إلى كثير من الشرور وهو بريد الزنا ورائد الفجور، وقال بعضهم:
كل الحوادث مبداها من النظر ** ومعظم النار من مستصغر الشرر